“السودان /الخرطوم: كي نيوز” بقلم ✍️ الدكتور أسامة محمد عثمان حمد …
الحقيقة بين الإطلاق والنسبية
ومشاركات الإنسان نحو الحقيقة تختلف من إنسان الي اخر وفقا العديد من المرتكزات ولكنها في أساسها ترتكز على اساس رئيس هو مدى صدق هذا الإنسان في بحثه عن الحقيقة، والحقيقة في حد ذاتها لها مفاهيم عدة لدي البشر رغم ان مفهومها الأساس هو الواضح من مكونات أحرف الكلمة نفسها التي بمجرد قرائتها و نطقها (الحقيقة) ككلمة لا تجد لها معني مغاير الا عند من تحركه نفسه للبحث لها عن معنى اخر تظل الحقيقة هي الحقيقة مثلها ومثل العدالة هي العدالة وان السلام هو السلام. وهي شئ ثابت يقناً عبارة عن التأكيدات، والمعتقدات، والأفكار، والمقترحات التي تُقال في أيّ خطاب، للاتفاق على نتيجة ما، وهي الإيمان بأنّ الكذب، والزيف عبارة عن خطأ، وعيب يؤثران على مسارات العدالة في المجتمع مما يحدث خللاً على كيفية إثبات ملكية الحقوق سواء كانت مادية او فكرية
البعض يستخدم العبارة وهو يعلم تماما العلم ماذا تعني ولكن نفسه التي لا تعترف بالخطأ تسعى الي تجييرها لكي تستخدمها في تبرير الخطأ وهنا يتحول الأمر من الإقرار والاعتراف وقول الحقيقة الي تزييف الحقيقة وهنا يختل ميزان العدل الذي يترتب عليه إثبات الحقوق.
هناك من يقول الحقيقة اتباع لهدي الاعتقاد وهناك خوفا من ردع القانون وفي كلاهما نفع للبشرية فمرجعية الاعتقاد مرجعية داخلية إيمانا بما انزل من ديانات انزلها الله تعالى لتقوي منظومة القيم لدي الفرد وتدفعه لاحقاق الحق و دحض الباطل يقينا بوجوب ذلك هديا من عند الله تعالى اما مرجعية الرهبة فهي مرجعية خارجية مرها الخوف من عقاب تطبيق القانون عليه فإذا ما غاب القانون غابت الحقيقة وضاع الحق واختل ميزان العدالة.
السؤال ي يطرح نفسه هنا هل هناك حقيقة مطلقة ام أن الحقيقة مسألة نسبية؟
يجب الاشارة الى ان جل الفلاسفة والمفكرين ينفون اليوم وجود حقيقة مطلقة، ويقولون بأن لا أحد يملك الحقيقة المطلقة، وأن كل الحقائق هي نسبية!
الحقيقة المطلقة يشار بها الى كون صدق المعلومة أو العبارة المنطقية او الاخلاقية (او غيرها) لايتغير ولايتبدل بل يكون تصور صدق العبارة ممكناً مهما كان السياق والمكان والزمان وبلا اي تناقض. ومثال على ذلك قولنا مثلا: لايوجد على الاطلاق دائرة مربعة او مربع دائري.
اما الحقيقة النسبية فيقصد بها كون صدق المعلومة أو العبارة الاخلاقية بالاخص او المنطقية او غيرها، يعتمد على الظروف، او يعتمد على الزمن أو السياق .. بحيث تكون المعلومة أو العبارة صادقة في ظرف معين وخاطئة في ظرف اخر. مثال على ذلك ان نقول مثلا: ان الإقدام في المعركة هو شجاعة دائماً (لانه في بعض الظروف و الاحيان قد يحسب تهوراً يؤدي الى الهلاك وليس شجاعة).
فالحقيقة المطلقة هي حقيقة نسبية اتفقنا على صحتها في كل الظروف. وكلمة اتفقنا هنا مهمة، لان ما يجعل 1+1=2 حقيقة مطلقة هو اننا اتفقنا على معنى واحد للرمز 1 و الرمز + والرمز = والرمز 2. ولو اننا لم نتفق فسيكون هناك من يقول: 1+1= 10 وتكون هذه حقيقة (ضمن سياق النظام الثنائي).
لكن نسبية الحقيقة يعتمد على ما نعنيه بالحقيقة: إن كانت حكما واقعياً أو حكما تركيبيا فما يشتق من الواقع
بالملاحظة والبداهة لا سبيل إلى تشكيكه، ولكن ما يتوصل إليه بالاستنتاج أو الاستقراء يبقى محل نظر، لأن الدماغ البشري ليس آلة معصومة من الخطأ المنطقي.
فطالما الإنسانُ مُستمرٌّ في بحثِه عن الحقيقةِ فهذا يدلُّل على إيمانِه بإمكانيّةِ الوصولِ إليها، وإلّا كيفَ يبحثُ عن أمرٍ يستحيلُ الوصولُ إليه؟ ويبدو أنَّ كلمةَ (الحقيقةِ المُطلقة) هي التي تتسبّبُ في تشويهِ الحقيقةِ حيثُ تجعلُ البعضَ يقفُ أمامَها عاجزاً ومسلماً باطلاقها، فما دامَت الحقيقةُ مُطلقةً والعقلُ الإنسانيُّ محدوداً فكيفَ يتمكّنُ المحدودُ منَ الإحاطةِ بغيرِ المحدود؟ وعليهِ لا وجودَ لحقيقةٍ مُطلقةٍ وإنّما هيَ نسبيّةٌ دائماً.
وهل كلمة الإطلاق تعني انها لا نهائية بحيث الحقيقة نفسها حالة هلامية لا حدود لضبطها ولا وصف موضوعي يصفها ويقيد خدودها.
إذا الحقيقة المطلقة هي اللحظةُ التي يصلُ فيها العلمُ إلى اليقينِ بحيثُ لا يقبلُ الشكَّ والتردّدَ…. وما عداها فهو نسبي.
والنسبيّةُ ليسَت وصفاً سلبيّاً للحقيقة بل على العكسِ تماماً، لكونِها هيَ التي تسمحُ للإنسانِ بالتفاعلِ الطبيعيّ معَ الحياةِ المُتجدّدةِ والمُتغيّرةِ باستمرار.
أن مشكلة الحقيقة مرتبطة بالإنسان وفضوله لاكتشاف المجهول، ولا يتبدى لنا من الحقيقة إلا ما يدفعنا إلى البحث عنها، وأنه مهما تعددت المواقف المؤيدة للنسبية فإن الإنسان يطمح دائما إلى بلوغ الحقيقة الأولى مهما كان مفهوم الثبات الذي يصفها به.