“السودان /الخرطوم: كي نيوز” بقلم ✍️ الدكتور أسامة محمد عثمان حمد …
ضياع مفهوم الأمة بين القبيلة والايدلوجية
ان الأمة التي خاطبها الله خطاب العقلانية المميز لها عن بقية خلقة و ارسل إليها الرسل وانزل عليهم الملائكة لأجل ضبط مساراتها التحضرية ارتقاءا بالسلوك حسن خلق اتباعا للقيم والتزاما بالمبادئ.
هذا الخطاب الذي جاءا متماشيا مع حركة التاريخ وفقا لاحتياجات النمو والتطور البشري حيث نقل الإنسان نقلات نوعية توعوية متدرجا حتى مرحلة اكتمال الانتماء من انتماء الجماعات القبلية والعشائرية الصغيرة التي تبحث عن ذاتها في تنافسية غير أخلاقية الي انتماء الأمة العقائدية الملتزمة بعيدا عن الذاتية الناظرة بعين العدالة الإلاهية الي حقوق الكل التزاما بما أمر.
هكذا كان مسار حركة التاريخ صعودا وهبوطا حيث يتجدد الخطاب بالرسل والأنبياء منذ لدن سيدنا آدم وختاما بالرسول الخاتم سيدنا محمد عليه وعلى آله افضل الصلاة وأتم التسليم، عندها اكتمل الوحي ببعث من بعث متمما لمكارم الأخلاق التي اختل ميزانها بعد أن تراكم مخزونها عبر حقب المرسلين المتتابعة ثم بدأ ينضب تدريجيا، وببعث النبي محمد صل الله عليه وسلم عاد بريق الإنتماء الي الأمة إنتماءا عقديا بعيدا عن الجهوية البغيضة التي كانت تمايز بين البشر بناءا على اللون والعرق والغنى والفقر والقوة والضعف فجاء الإسلام متنزلا قرآنا ليصحح هذه المفاهيم و يضبطها.
عن أبي هريرة رضي الله عنه روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال“لينتَهينَّ أقوامٌ يفتخرون بآبائِهم الَّذين ماتوا إنَّما هم فحمُ جهنَّمَ ، أو ليكونَنَّ أهونَ على اللهِ عزَّ وجلَّ من الجُعلِ الَّذي يُدهِدُه الخُرْءُ بأنفِه إنَّ اللهَ أذهب عنكم عبيَّةَ الجاهليَّةِ وفخرَها بالآباءِ . إنَّما هو مؤمنٌ تقيٌّ ، وفاجرٌ شقيٌّ ، النَّاسُ بنو آدمَ ، وآدمُ خُلِق من ترابٍ“ أخرجه الترمذي.
فبعد أن وصل الناس الي أعلى درجات الانتماء والتعرف على الهوية الحقة الا وهي الانتماء الي الإسلام دينا وهوية يعتز بها ويفتخر كل مسلم، لقد عاد الناس من جديد بعد أن ضعف الدين والايمان في نفوسهم يبحثون عن الانتماءات التي تمثل القبيلة والجماعات الايدلوجية و الأوطان التي تحدها الحدود الجغرافية وهذا ما يفرح أعداء الأمة المسلمة الذين عمدوا الي ذلك و ساعدهم للأسف الشديد أبناء جلدة الأمة بعد أن فتتوا عضد الخلافة الإسلامية واخر معاقلها، فلم يعد الانتماء للأمة قائما كما كان سابقا بدأ بالاضمحلال رويدا رويدا فظهرت مفاهيم الشعبوية والوطنية و القبلية وغاب مفهوم الأمة الواحدة حتى الوطنية التي ظهرت مع مفهوم الوطن غابت بتفتت الأوطان وتجزئتها الي جزيئات، فمفهوم الوطن الذي جمع الكيانات التي مازالت بانتمائها الي الأمة والتي تحاول جاهدة الي التكامل والتعاضد والتراحم فيمآ بينها لم يترك ليكتمل البناء بل تمت زراعة الفتنة والشكوك الباعثة للاطماع الدنيوية بين الحكام والشعوب فاستوطنت البغضاء بينهم وملأ الحسد القلوب واشتعلت بينهم الحروب.
لم يعد مفهوم الوطن يعبر عن نفسه بل يعبر عن عكسه فبدلا من ان يكون الانسان منتسبا لوطنه محبآ له شريطة ألا تتعارض مصلحة الاسلام والوطن وإلا قُدمت مصلحه الإسلام الانتماء الأعم. ولنا في النبى صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة كيف كان شعوره وهو ينظر إلى مكة وهو خارج منها قائلآ “والله انك لاحب البلاد الى الله وأحب البلاد الىّ ولولا ان اهلك اخرجونى منك ما خرجت” ويأتى أصيل بالمدينه ليصف مكة فيحرك العاطفه والحنين الى الوطن فى قلب النبى صلى الله عليه وسلم فيقول له يا أصيل “دع القلوب تقر” ولما قدم النبى صلى الله عليه وسلم المدينه دعى اللهم حبب الينا المدينه كحبنا لمكه.
لقد عمد الأعداء بمساعدة اهل الاطماع والأهواء الي قتل هذا الانتماء الوطنى المفضي الي الانتماء الأممي فلم يعد له وجود حتى بعض أبناء الوطن المناط بهم البناء والإعمار هم من يخربون اوطانهم ويهدرون طاقتهم بل تجد جواسيس وعملاء للخارج يتأمرون على مصالح الامة و الوطن معا.
هناك جدل دائم حول اصل الانتماء وأساس هذا الجدل مرده الي عدم الالمام بسنن الله في الكون إضافة إلى ضعف الدين في نفوس الكثيرين مما يحرك المصالح الخاصة، ان الاصل فى هذا الانتماء أنه انتماء الى الاسلام اولا لأجل اكتمال وحدة الأمة قال تعالى”إن الدين عند الله الاسلام”وقال “ومن يبتغى غير الاسلام دينآ فلن يقبل منه وهو فى الاخرة من الخاسرين”وهذه عناصر الانتماء شرعها لنا الاسلام لكن إن تعارضت هذه مع الاسلام كدين ومنهج يُقدم الاسلام اولا كل هذه العناصر المتعلقه بالدنيا.
قال تعالى”قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموالٌ اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب اليكم من الله ورسوله وجهاد فى سبيله فتربصوا حتى يأتى الله بأمره والله لا يهدى القوم الفاسقين”التوبة (24).
الانتماء للاسلام يعنى الانتساب الى الاسلام أن أكون مسلمآ حقا يسلم المسلمون من يدي ولساني، وبمعنى آخر (التكيف مع الاسلام) وأن يجعل الاسلام منهج لحياته عقيده وفكر شريعه وأخلاقآ سلوكآ وعاطفة قال تعالى{وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ}
هذا الانتماء وهذا الانتساب هو حقيقه القوة الكامنه فى قلب الامه والتى بها تنتصر على اعدائها.فلما غاب الانتماء ضعفت قوتهم وهُزموا ولذلك لما رأى أحد المسلمين الروم فى مؤته قال ما اكثر الروم وما اقل المسلمين فقال له عبد الله بن رواحه ما اقل الروم وما اكثر المسلمين انا لا ننتصر عليهم بعدد ولا عده ولكن ننتصر عليهم بطاعتنا لله ومعصيتهم له .
فمن اهم مظاهر ضعف الانتماء هو ضعف عام على مستوى الأفراد و الأوطان ومن ثم الأمة مما يجعلنا دوما في حوجة للآخرين الأقوياء وهذا ما اراده اعداء الأمة لكي يتكالبوا عليها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم”(يوشك الأمم أن تداعى عليكم، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. فقال قائل: ومِن قلَّةٍ نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السَّيل، ولينزعنَّ الله مِن صدور عدوِّكم المهابة منكم، وليقذفنَّ الله في قلوبكم الوَهَن. فقال قائل: يا رسول الله، وما الوَهْن؟ قال: حبُّ الدُّنيا، وكراهية الموت ). فبدلا من أن نستقوي ببعضنا البعض ضد أعداء الأمة نستقوي بأعداء الأمة ضد بعضنا البعض.
تذكروا قوله تعالى”كنتم خير أمه اخرجت للناس ” وقال رِبعى بن عامر لرستم”لقد إبتعثنا الله لنُخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله رب العباد،ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ،ومن جور الأديان إلى عدل الاسلام”. قال تعالى”وما أرسلناك إلا رحمه للعالمين” اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم تسليما كثيرا.
اللهم وحد شمل أمتك على كلمة سواء وأزل من النفوس الحسد والتشاحن والبغضاء.