مسارات موجبة


“السودان /الخرطوم: كي نيوز”✍️ الدكتور أسامة محمد عثمان حمد …

الإنسان والإنسانية

منتهي روعة الخلق الإلهي جسداً وروحاً صدق الله العظيم وهو القائل في سورة التين (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (4) يا لجمال الوصف قسماً مؤكداً فهل من معترض على إبداع الخالق تصويراً لاحد مخلوقاته المكرمة على جميع خلقه مطلقاً وحتى لا يكون في التكريم لبس او شك جاء قوله تعالى في سورة الإسراء (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) (70).

ثم ماذا بعد تأكيد إحسان الخالق لخلق الإنسان و تكريمه، هنا جاء دور الإنسانية الصفة المبدعة و المكرمة التي بها كرم الإنسان عن بقية مخلوقاته كافة نتاج هذه الإنسانية التي أضفت على جمال الجسد روحا طيبة ملؤها القيم العليا التي اكتسبتها البشرية عبر التاريخ الطويل ولم تبلغ تلك القيم كمالها إلا حينما اتصلت بخالقها عن طريق الرسالات السماوية فارتقت بهذا الكائن الذي ابدع الخالق في خلقه جسداً وروحاً فسمي إنسانا اتصافاً بهذه القيم العليا التي ارتقت به من انحطاط الحيوانية المنبوذة الي مقام الإنسانية المكرمة، الا ان اهواء النفس الإنسانية الامارة بالسوء حينما تسود طغيانا على ذاتها اولاً ثم على من حولها تجبراً ثانياً هنا تضل الإنسانية وتنحط قيمها ويكون الخاسر هو الإنسان الذي تجرد من أهم صفاته التي ميزته عن بقية مخلوقات الله إلا إذا تحققت اربع شروط هي الإيمان والعمل الصالح و التواصي بالحق و التواصي بالصبر ” والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر “

و إذا تتبعنا عدد مرات ورود كلمة الانسان ذكرا في القرآن الكريم نجدها (56 مرة) فهي دلالة تكشف في الإنسان صفات ايجابية واخرى سلبية؛ حيث تمثلت الصفات السلبية في خُلِق الإنسان ضعيفًا، وهو يؤوس، قنوط، كادح، كنود، ظلوم، جهول، جَزُوع، إلى غير ذلك من الصفات الذميمة، فإن الإسلام في الوقت نفسه قد بيَّن السبل والوسائل التي تأخذ بذلك الإنسان؛ لترتفع بصفاته السلبية، فتُحَوِّلها لتصبح صفات إيجابية، وهنا تكتسب البشرية قيمًا إنسانية، تعلو على الأهواء الذاتية والأنانية، قيمًا تتسم بالسماحة دون العناد، والإخاء دون العنصرية، والمساواة دون الفرقة، والتعارف دون الرفض، والإيثار دون الشُّح، والعدل دون الظلم، والرخاء دون الفقر، والرحمة دون القسوة، والتعاون على البر دون الإثم والعدوان.

ومع اكتمال عملية التحرر بتحَوِّل تلك الصفات إلى قيم إنسانية عليا، يتحرر الإنسان ويسمو فوق كونه كفورًا، وعاقًّا، وجهولاً، وخصيمًا مبينًا، ويؤوسًا قنوطًا، ساخطًا حال الشدة، ومُوَسْوِسًا، وهلُوعًا، وفاجرًا، وشاكًّا في البعث، ونكرةً غير مذكور حينًا من الدهر، ومغترًّا بربه، وكادحًا إليه، ومخلوقًا من تراب، ومن طين، ومن ماء مهين، ومن نطفة، ومن علقة، وناسيًا، وطاغيًا حال استغنائه.. إلخ.

وقد قال الشاعر في نونية البستي

يا خادم الجسم كم تشقى لخدمته

                                    أتطلب الربح مما فيه خسران

أقبل على الروح واستكمل فضائلها

                                   فأنت بالروح لا بالجسم إنسان

أحدث أقدم