بقلم ✍️ الدكتور أسامة محمد عثمان حمد – مستشار الحوكمة وتطوير الأعمال
مؤامرات الحرب وجرحها الذي لن يندمل
السودان بلد مترامي الأطراف متعدد اللهجات والسحنات والمجموعات القبلية التي قبل أن تميزها بمسمياتها تميزها في السودان باتجاهاتها الجغرافية فمجرد ذكر الاتجاه الجغرافي يتحدد في ذهنك تلقائيا المكونات القبلية لتلك الرقعة الجغرافية من السودان فتجد اهل الشمال ويطلق عليهم الشماليين وأهل الجنوب الجنوبيين وأهل الغرب بالغرابه وأهل الشرق لا يوصفون بانتمائهم الجغرافي بل يغلب عليهم لقب الادروبات نتاج المسمى الغالب لاهل المنطقة من قبائل البجه و هناك عبارة جلابة يطلقها اهل غرب السودان على جميع من ينتمون الي وسط السودان وما فوقه او القادمون الي دارفور للتكسب والرزق وهم ليسوا من أهلها وهذه الانتماءات جميعها هي انتماءات مناطقية لا يجب أن تصيب اي شخص بالانزعاج او الغضب اذا ما نسب إليها.
إن من المحزن جدا أن تجد من هو من اهل الغرب الجغرافي في السودان ولا اقول جميعهم وليس الغالب بل البعض مملؤون غبنا وحقدا وحسدا حقيقيا تجاه اهل الوسط والشمال أو الجلابة خاصة بصورة اضحت واضحة لا مجادلة فيها وهذا امر يجب أن ينظر فيه وتدرس أسبابه لانه يعتبر مهدد رئيس لوحدة وتماسك هذه الوطن ككتله واحده .
وهذا الامر سابقا كان الجدال حوله عميقا من حيث وجوده او عدمه و من الصعوبة ان تجد له دلائل مادية ملموسة ثابته بقدر ماهي عبارات تردد هنا أو هناك وبعد ان كان الأمر همسا أصبح جهرا يصرح به على الملأ من البعض والبعض الاخر يخفيه تقية او ترددا او ربما لارتفاع درجة الوعي عنده عن الآخرين .
وكانت الحرب الكريهة التي ظن البعض انها تنافس على سلطة بين من بين عشية وضحاها إمتلك المال والسلاح والسلطان وتجبر و بين قوات الشعب المسلحة التي تدافع عن كرامة وأرض وعرض الوطن والأهل وافصحت الأيام عن النوايا بدلا من الحديث همسا وجهرا تجلي سلوكها موثقا يراه و يسمعه القاصي والداني دون خجل او مواربة وحتى الذين لم يشاركوا الفعل هم فرحين به.
لم يكن الأمر مستغربا لقد كانت كل التوقعات تنذر بالمواجهة التي اجتهدت قيادة الجيش كثيرا في تفاديها وياليتها لم تفعل… ولكنها تقديرات القيادة من بعد أقدار الله المقدرة بامرة لحكمة يعلمها هو ابتلاء وامتحان لأهل السودان.
قال تعالي كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216) سورة البقرة وصف القتال بأنه امر مكتوب رغم انه مكروه وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم هنا تمام الشرح و التمييز رغم كراهة القتال البينة الا ان الله يقدر فيها الخير الكثير.
تجلت قدرته في كشف عظيم هذا المخطط الذي لم ينتبه لحجمه الا بعد ان اندلعت هذه الحرب فكان الأمر جليا فانفجر الغبن الذي يملأ النفوس تجاه سكان وأهل الوسط والشمال قصدا بتمييز تام تجلى ذلك في اقتحام البيوت وسرقة محتوياتها واغتصاب الحرائر من النساء وسلب مغتنياتهن وتكسير وحرق ما عجزوا عن نهبه واحتلالها والتصريح بأنها ملك لهم وتم طرد ملاكها منها بعد تجريدهم من كل شئ وانها غنائم حرب…
سلوك ليس بجديد على نوعية هذه الفئة من الخلق الذين يدعوا الإسلام وهو منهم براء ومن الواضح هذا سلوك اجتماعي تنامي مع السنين ولم يجد من يردعه حتى أصبح معتقد يفرح ويباهي به الرجال وتزغرد له النساء في ظاهرة اجتماعية بئيسة لا تشبه سلوك اهل السودان في شئ.
هذا جزء من ظاهر الغبن الاجتماعي الذي افصحت عنه هذه الحرب اما الغبن الأكبر والحقد والحسد والطمع الدولي الذي ابانته هذه الحرب هو حجم التامر الذي اتضح في عمق اختراق الاستخبارات العالمية والاقليمية لبنيتنا الاجتماعية عموما ومؤسساتنا الأمنية والسيادية حتى عمقت من خلافات المؤسسات الأمنية عامة والقوات المسلحة و والقوات كونت لاسنادها قوات الدعم السريع بصورة خاصة فتمردت عليها وهنا ظهرت محاور الشر الكبرى على كافة المستويات الداعمة لها ممنية نفسها بصيد ثمين تستغل موارده وثرواته وموانئه واراضية بعد ان أثارت غرائز آل دقلو الشخصية ببناء مملكتهم على نهر ضفاف النيل فتداعي لأجلها القتلة والمأجورين مرتزقة من بلاد شتى محرضين على حرق الأخضر واليابس بحرق المصانع واتلاف مؤسسات الدولة ومرافقها الخدمية .
لقد كان هناك من اهل الداخل من يحمل عود الثقاب الذي بعد ان تمت تهيئة الموقد له جيدا من حلفاء الخارج وعملاء الداخل لم يستغرق الأمر منه كثيرا عناء سوي الإشغال وصب مزيد من الزيت حيث كان ينتظر وعدا بحكم موعود على ضفاف مدنية مدعاة و ديمقراطية مفقوده لديهم هكذا تحالفت جميع تلك القوي لأجل تحقيق مصالحها رغم تباينها ومن الواضح أن هناك أطراف كانت تخطط لازاحة أطراف اخري فهو تحالف الأعداء بعد ان يدين لها الأمر.
لم يكن النزاع السياسي أمرا مزعجا رغم ما تسبب فيه من إشعال لفتيل الحرب لان الصراعات السياسيه بالتجارب مقدور عليها مع الايام وتبدل كثير من المعطيات ولكن الطامة الكبرى التي افرزتها هذه الحرب الجهوية التي اوضحت جليا مقدار وكم الأمر و الغبن والحقد والحسد غير المبرر لفئة من مكونات المجتمع السوداني والتي لن يتمكن من تجاوزها بل ستظل جرح ينزف باستمرار يعجز الزمن على تضميده.
نعم ان المجتمع السوداني في غالبه الاعظم مجتمع مسلم اسما مرتبط بالدين رمزا ولكن عمق التدين لدي الغالب ضعيفا وهذا الضعف هو الذي نتج عنه هذا الصراع المميت بين مكونات المجتمع الواحد واغري الطامعين لأجل أن يبحثوا عن ما يمكنهم من التحكم في موارد الوطن وهاهم قد وجدوها ونحن السبب.
وختامها نذكر بقول تعالي وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25) سورة الأنفال.