“السودان /الخرطوم: كي نيوز” بقلم ✍️ الدكتور أسامة محمد عثمان حمد …
إنسان الشمال خير مثال
عندما اتجه أبناء الشمال نحو المركز وأطراف السودان الأخرى لم يكن هدفهم البحث عن الرفاه وإنما كان البحث عن مصادر الرزق ومزيد من العلم والمعرفة التي تمكنهم من التغلب على تحديات الحياة والقدرة على تربية أبنائهم تربية سليمة معافاة وإيجاد فرص التعليم والعمل لهم لان البيئة لم تكن بها الفرص الكافية في ظل تحديات عديدة و رغم وجود بعض جوانب القوة الا أن مكونات البيئة نفسها كان بها ضعف في جوانب عدة كذلك، فكان الخيار ان يسوحوا في بلاد الله الواسعة داخل السودان وخارجه ينشدون الرزق الحال، لقد كان جل تركيزهم في تعليم أبنائهم لذلك اسسوا المدارس بالعون الذاتي والمستشفيات والخلاوي كل ذلك لأجل تقوية نقاط ضعف بيئتهم الفقيرة أصلا آن ذاك الا من نهر النيل الذي تقف عيدان التمر شامخة على ضفافه الخضراء في مساحة لا تكاد تتجاوز ضفافه بثلاث كيلومترات على ابعد تقدير ثم بعدها يلفحك هجير شمس الصحراء الحارق او زمهريرها البارد دون ما رحمة ولا هوادة فلم يكونوا رعاة يملكون الاغنام الأبقار والابل ولم يكونوا يملكون رقعة زراعية كافية رغم مهارتهم في مجال الزراعة والري وخبراتهم التراكمية التي نقلوها الي مناطق أخرى من السودان بكل أريحية وطيب خاطر او شعور بالأمن او التعالي نسبة لاكتمال الانتماء الوطني.
علمتهم تجارب الحياة القاسية الكثير وكان لتاريخ المنطقة وحضارتها الضاربة في القدم دور كبير في تحفيزهم للبحث عن الفرص المتاحة في تلك البيئة وما حولها فكانت هجراتهم الداخلية التي جعلت لهم وجود بمسميات قبائلهم و مناطقهم المتنوعة في مناطق أخرى داخل السودان وبل حتى خارجه مما دفعهم للاستقرار في تلك المناطق متعايشين متحابين مؤتلفين مع سكان تلك المناطق في أمن و سلام وطمأنينة وإينما ذهبوا تركوا أثرا طيبا في نفوس تلك المجتمعات يذكرونهم به، واسسوا سمعة طيبة للسودان خارجه مازالوا يذكرون بها في دول عدة.
لقد وجدوا سكان تلك المناطق في بيئات ذات طابع مختلف عن بيئتهم بها كثير من الفرص والموارد و التحديات و الاهتمامات المتنوعة انخرطوا في تلك المجتمعات دون تحفظ مشبعين بروح الانتماء دون تحفظ او شعور بالنقص او غبن تجاه البيئة او مكوناتها او حسد لما رزق أهلها من وافر نعم.
لنسبة لموقع الشمال المنفتح على مصر بوابته الشماليه التي هي بدورها منفتحة على العالم تمازجا ثقافيا وحضاريا واقتصاديا وكذلك الانفتاح على الحجاز واليمن من مدخل الشرق متاثرا بالهجرات العربية كل ذلك مع الإرث التاريخي أثر على مكونات انسان الشمال الفكرية و الثقافيه و المعرفية مما جعلة أكثر استنارة من بقية سكان بعض المناطق الأخرى والذين كانت لهم مميزاتهم وصفاتهم الذاتية وفقا لمؤثرات أخرى.
كل هذا وذاك من الأسباب جعلت أبناء الشمال في صدارة تحمل مسؤولية نقل المعرفة والعلم والفكر الي أطراف أخرى تحتاج إليها بل والاستفادة منها في تنمية وتطوير مالديها من معارف و ثقافات دونما البحث عن كيفية تجهيل الآخرين كما فعل الاستعمار عندما طبق سياسة المناطق المقفوله في جنوب السودان.
لم يكن يشعر أهل الشمال بأنهم جزء منفصل عن هذا السودان الواحد الموحد وعبروا عن ذلك في كل أدبياتهم الشعرية والنثرية والقصصية دونما تمييز في تلاقح متسامح مع جميع مكونات المجتمع السوداني وهذه صفات تكون للانسان َمهارات حياتيه متعدده مكنتهم من قيادة المجتمعات التي وجدوا فيها لأن تلك المجتمعات كانت تجد لديهم حلول المشكلات التي تواجههم وأولها كانت حلول العلم والمعرفة مجالات عده اهما التعليم في حد ذاته وإدارة دواوين الحكومة والارشاد الزراعي والعسكرية.
رغم هذه الهجرات والبحث المستمر عن ماهو أفضل ظل ارتباطهم بالأرض والمناطق مستمرا سعوا الي تطوير مناطقهم و اعمارها دونما ان ينتظروا ذلك من جهة حكومية او غيرها فإن فعلت خيرا وان لم تفعلوا شمروا سواعدهم جدا وهمة وتفاني ونكران ذات بنوا الخلاوي والمدارس والمستشفيات والمشاريع التعاونية من حر مالهم ودعم الخيرين ومازال العطاء مستمرا بإذن الله دون انقطاع.
كل ما ذكرته ملخصا أعلاه ساهمت عوامل عدة فيه من اهمها عدم وجود أي نوع من الصراعات بين مكونات المجتمع هناك رغم التنوع البين بين مكونات المجتمع من حيث النوع والثقافة و قدم الانتماء والحضارة الا ان كان التنافس هو الأمر الأكثر وضوحا وهو أمر محمود ادي الي تحسين تلك البيئة الي درجة مكنت البعض من العيش فيها ودفعت آخرين الي الهجرة الداخلية مما كان له الأثر الواضح على نمو وتطوير المركز وكانت الهجرات الخارجيه كذلك ظل اثرها الطيب موجود حتى تاريخنا هذا يذكرون به في تلك المجتمعات.
مما سبق نخلص الي أن تجربة اهل الشمال وهذا التمييز اقصد لا اقصد به الشمال الجغرافي إنما كل ما يطلق عليه الشمال من قبل بعض اهل السودان الآخرين وهذا الوصف أوسع من مساحة الشمال الجغرافي المحصور في الولاية الشماليه لقد أردت أن ينتبه القارئ الي جمال الائتلاف والتمازج التكاتف التكافل الذي وجد في تلك المناطق وبين تلك المكونات وما صنعه من تنافس شريف لأجل الإعمار والتطوير لا القتل والتدمير.