السودان .. قطع الاتصالات والعزلة التامة وجه آخر من المعاناة



 جاء خروج شبكات الاتصالات والانترنت عن الخدمة في وقت فيه كان الناس أكثر حاجة للتواصل لمعرفة أخبار بعضهم في ظل المعارك الشرسة التي تحصد الأرواح وتشرد الشعب السوداني وتدمر البلاد، هذه العزلة أعادت المواطنين إلى ما قبل عصر الاتصالات.


 حيث اضطر بعضهم إلى استخدام الوسائل البدائية لتبادل معلوماتهم عبر كتابة الخطابات الورقية وأرسالها عبر السيارات السفرية من مدينة لأخرى، بينما يروي المحامي يوسف محمود مأساة تلقيه خبر وفاة شقيقه بعد 10 أيام من رحيله في الخرطوم بسبب انقطاع التواصل بينهما رغم انهما كانا على تواصلٍ يومي قبل أن يفصلهما انقطاع شبكات الاتصال ومن ثم الموت.

في ظل هذه الحرب وتوقف كل سبل كسب العيش لم يتبق للأسر في السودان سوى تحويلات أبنائها في الخارج عبر نافذة التحويلات البنكية، لكن قطع شبكات الاتصالات والانترنت اغلق هذه النافذة الوحيدة للأمل والحياة وازدادت المعاناة، وأصبحت الأسر ترسل أحد أفرادها إلى المدن التي تحظى بالشبكات لتلقي العون من الأقارب.

لم يقتصر أثر انقطاع شبكات الاتصال على حرمان الأسر من عون أبنائها بل أثرت سلبا أيضا على العمل الطوعي المحلي لإغاثة ضحايا الحرب خاصة غرف الطوارئ في المدن التي تتطوع لتقديم المساعدات للمواطنين في المناطق التي تشهد تأثرت بالمعارك لأن هذه الغرف تعتمد بدورها على شبكات الاتصال لتلقى المساعدات وتنسيق وتنظيم تقديمها للمحتاجين.

وأشار إلى انه بعد مضي نحو عشرة أيام تم إدخال خدمة الانترنت الفضائي كحل جزئي للمشكلة، لكنه واجهتهم المشكلة الأمنية، لأن  المواطنين الذين يتلقون تحويلات مالية يأتون إلى موقع الانترنت الفضائي لاستبدال التحويلات البنكية بمبالغ نقدية وقد يتعرضون للتهديد ونهب المبلغ المالي وجهاز التلفون، ضف إلى ذلك النسبة المئوية التي يتم تحصيلها مقابل تحويل المبالغ من التطبيقات البنكية إلى نقدية، حيث بلغت حدود 25% قبل أن تتراجع لاحقا إلى “15- 20%” واستقرت الآن على نسبة 10%.

وقالت إن غرفة طوارئ الخرطوم اضطرت بعد ذلك إلى إرسال بعض أعضائها إلى مدينة شندي بولاية نهر النيل كي يتواصلوا مع الخيرين والمانحين وزملائهم في الخارج لتلقي التحويلات المالية ليتمكنوا من مواصلة تقديم المساعدات للمواطنين، وحذرت من أن توقف التكايا والمطابخ المشتركة بصورة كلية قد يتسبب في كارثة إنسانية في الخرطوم.

وأشار إلى صعوبات كبيرة واجهت المنظمات التي تعمل في المجال الإنساني ورصد وتوثيق الانتهاكات، وذكر انهم في منظمة عوافي اضطروا في شهر أغسطس الماضي إلى استخدام أجهزة “الثريا” للتواصل مع فريق المنظمة هناك رغم كلفتها الباهظة، وأضاف” كنا مجبرين على الاتصالات لأجل إعداد التقارير الشهرية ندفع حوالي 300 دولار شهرياً للاتصالات، فضلا عن خطورة الاتصال بالثريا، فاذا قبضت مليشيا الدعم على أي من زملائنا بحوزته جهاز ثريا سيتهم فورا بأنه متعاون مع الجيش وهو امر يمكن أن يكلفك سلامتك الشخصية”.

وأوضح إن صعوبة التواصل مع فريق المنظمة في زالنجي أدى إلى أضعاف الخدمات التي نقدمها للمواطنين في المدينة، لأن أي تدخل أنساني يحتاج إلى معلومات حقيقية عما يحدث على الأرض وحجم الاحتياجات كي تبني عليها المنظمة شكل ونوع التدخل.

وأشار إلى أن المنظمة اضطرت بعد ذلك إلى تعيين موظف ليطوف على مناطق نيالا، زالنجي، الضعين في ظروف صعبة جدا لجمع المعلومات وإعداد التقارير الأولية التي تمكن المنظمة من مواصلة مساعدة المحتاجين، هذه كلها كانت صعوبات واجهت المنظمة وأثرت على أدائها”.

ونبهت المنظمة إلى أن قطع الاتصالات والانترنت أعاق عمل منظمة عوافي في رصد وتوثيق الانتهاكات وكشف عن حجم المشكلات التي واجهت الناشطين الذين يعملون في مجالات الرصد والتوثيق للانتهاكات لحقوق المواطنين المستمرة منذ اندلاع الحرب، وأوضح إن دخول خدمة الانترنت الفضائي لمدينة زالنجي ساهمت قليلاً في تخطي بعض العقبات، إلا إنها كانت باهظة التكاليف كذلك حيث بدأت بتكلفة قدرها 5 الأف جنيه في الساعة وتراجعت بعد فترة إلى 3 آلاف جنيه، لكنه حذر من أن أجهزة ستارلينك بالمدينة باتت مهددة بالإيقاف لأن مليشيا الدعم بدأت تفرض مبالغ مالية شهرية على أصحاب الأجهزة، الذين يتخوفون من اعتقالهم إذا عجزا عن السداد.

فور انقطاع شبكات الاتصالات عن إقليم دارفور استجلب مستثمرون أجهزة الانترنت الفضائي ستارلينك وانتشرت آلاف الأجهزة حتى صارت لا تخلو قرية منها في دارفور.

بالمقابل حاول البعض إيصال أجهزة الانترنت الفضائي إلى مناطق سيطرة القوات المسلحة السودانية عندما خرجت شبكات الاتصالات عن الخدمة بجميع أنحاء البلاد في فبراير الماضي.
أحدث أقدم