لا يزال حسين، الذي يقطن في حي مجوك شرق، يتذكر أصوات صراخ الأطفال والنساء عند هبوط طائرة الشحن في فجر 21 سبتمبر بمطار نيالا حاضرة ولاية جنوب دارفور، بعد أن ارتبط الطيران في أذهانهم بمآسي القصف.
وقال حسين، إنه استلقى مع أهل بيته على الأرض، في انتظار سماع دوي صواريخ البراميل المتفجرة التي تسقطها باستمرار مقاتلات الجيش الحربية، لكن سرعان ما تحول الخوف إلى حيرة عندما انخفض صوت محرك الطائرة تدريجيًا.
وأشار إلى أن عدم سماع أصوات مضادات مليشيا الدعم السريع التي تُطلقها بالتزامن مع تحليق الطيران الحربي في سماء المدينة، دفعه إلى الخروج من المنزل، حيث تبين له أن الطائرة كانت تهبط في المطار.
استخدام متعدد
وتحقق مصدر مطلع من هبوط 130 طائرة في مطار نيالا خلال الفترة من 21 سبتمبر المنصرم إلى 14 مارس الحالي. وقال شهود عيان وموظفون سابقون ومصادر عسكرية إنها طائرات شحن.
وهبطت معظم الرحلات في الفترة الأولى لإعادة تشغيل المطار في الساعة الثانية صباحًا، حيث تمكث الطائرة حوالي 40 دقيقة إلى ساعة، ثم تُقلع مجددًا. لكن مع مطلع هذا العام، أصبحت الطائرات تمكث نحو 4 ساعات قبل أن تُغادر.
ويشير تطاول الوقت الذي تمكثه طائرات الشحن في مطار نيالا إلى ثقة مليشيا الدعم السريع في أجهزة التشويش ومضادات الطيران التي استجلابها حديثًا، وكذلك إلى زيادة العتاد الذي تحمله، حيث يتطلب تفريغه وقتًا أطول.
وقال موظف يعمل في الملاحة الجوية بمطار نيالا إن طائرات الشحن الكبيرة من طراز اليوشن تستغرق حوالي ساعتين أو أكثر في تفريغ حمولتها.
وأفاد بأن الطائرات التي تهبط وتقلع في فترة لا تتجاوز الساعة يُرجح أنها لا تحمل شحنة كبيرة أو أنها لأغراض أخرى غير الشحن.
ولا يزال الغموض يكتنف العتاد الذي تحمله الطائرات التي تهبط دوريًا في مطار نيالا، حيث تتحدث مصادر متفرقة عن أنها تحمل أسلحة وطائرات مسيرة حديثة إلى مليشيا الدعم السريع، دون أن يعلق الجيش على أمر هذه الرحلات.
ويستخدم مليشيا الدعم السريع مطار نيالا بعد إعادة تشغيله كأحد الطرق العديدة لتهريب الذهب الذي يُنتج من مناجم سنقو والردوم، وفقًا لتحقيق استقصائي نُشر في يناير الماضي.
أفادت مصادر موثوقة، بأن مليشيا الدعم السريع استخدمت مطار نيالا في سفر وعودة بعض الوفود التي غادرت إلى العاصمة الكينية نيروبي لحضور مراسم توقيع الميثاق التأسيسي والدستور الانتقالي، الممهدين لتشكيل حكومة موازية.
وشهد المطار عودة بعض جنود الدعم السريع من السعودية عبر دولة ثالثة خلال يناير وفبراير المنصرم، كانوا ضمن القوات التي شاركت في معارك “عاصفة الحزم”.
جنود من مليشيا الدعم السريع في مطار نيالا في طريقهم إلى السعودية للمشاركة في عاصفة الحزم.. 22 فبراير 2018
إعادة التشغيل
وقال قائد في مليشيا الدعم السريع إن القوات استعانت بموظفين وعمال عملوا سابقًا في مطار نيالا في عمليات التشغيل.
وأوضح موظف يعمل في المطار بأن عمليات التشغيل بدأت في نوفمبر المنصرم، حيث كان مليشيا الدعم السريع يستدعي فرق المناوبة الأرضية والملاحة الجوية قبل ساعات من هبوط أي طائرة.
وأفاد في تصريح بأن المطار أصبح يعمل، منذ بداية هذا العام، على مدار ساعات الليل بعد أن بات يستقبل رحلات بشكل شبه يومي.
وأكد مصدر رفيع في استخبارات الجيش العسكرية، أن مليشيا الدعم السريع استعان ببعض الموظفين وعناصر الأمن الذين كانوا يعملون في مطار نيالا في إعادة تشغيله.
واستطاعت مليشيا الدعم السريع تأمين مطار نيالا عسكريًا وفنيًا، قبل أن تعمل على إعادة تشغيله، حيث استجلبت أجهزة تشويش حديثة ورممت العديد من مبانيه.
وقال مصدر عسكري، إن مليشيا الدعم السريع نصّب منظومة تشويش حديثة في مطار نيالا وبعض مباني الولاية، مما جعل القنابل التي يسقطها الطيران الحربي بغرض استهداف المطار تقصف في الأحياء القريبة منه مثل طيبة النيل وعباد الرحمن والجمهورية ودرجة رابعة.
وأفاد بأن إحدى منظومات التشويش متحركة ووُضعت في سيارة شبيهة بعربة “ستاريكس”.
حماية غير مؤكدة
وشن الجيش أول غارة جوية، بعد إعادة تشغيل المطار، في 24 سبتمبر المنصرم، دمرت أبراج المراقبة والمكاتب الإدارية، لكن سُرعان ما أُعيد ترميمه مجددًا.
آثار غارة جوية على مطار نيالا
وأوضح المصدر العسكري أن الغارة الجوية لم تُدمر مدرج المطار، لكنها ألحقَت أضرارًا بالمكاتب الإدارية والصالات.
ورغم أجهزة التشويش التي تعطي إشعارات خاطئة، واصل الجيش شن الغارات الجوية، أكثر من 26 غارة جوية منذ بداية العام.
ونزح آلاف المدنيين من مدينة نيالا هربًا واحتمال حدوث تصادم جوي بين مقاتلات الجيش والرحلات الجوية لطيران الدعم السريع.
وقالت ثلاثة مصادر متطابقة، إن خمس غارات جوية للجيش شُنت في يناير وفبراير على نيالا، تزامنت مع وجود طائرة مليشيا الدعم السريع في المطار أو المزلقات في شارع الفاشر شمالي نيالا.
وأفادت مصادر أخرى بأن مليشيا الدعم السريع نشرت مضادات طيران جديدة في شرق نيالا وقرب كلية نيالا التقنية وجنوب وأقصى شمال المدينة، إضافة إلى مضادات في منطقة دوماية غربي نيالا.
ورجحت أن مليشيا الدعم السريع أسقطت الطائرة الحربية في 24 فبراير المنصرم بالمضادات الجديدة، حيث تناثر حطامها في حي المستقبل شمالي نيالا.
منطقة عسكرية
وتحدث سكان من حي مجوك القريب من مطار نيالا، عن وجود إنشاءات جديدة داخل المرفق، من بينها ثلاثة مبانٍ لم تكن موجودة في السابق.
وأفادوا بأن عددًا من الأسر اضطرت إلى النزوح من منازلها في الأحياء القريبة من المطار، بما في ذلك حي مجوك، خوفًا من القصف المتكرر لمحيط المطار.
ووضعت مليشيا الدعم السريع العديد من نقاط المراقبة والارتكازات في الطريق المؤدي إلى المطار والمنطقة المحيطة به، لمنع السكان من الاقتراب، ليصبح المطار منطقة عسكرية بالكامل.
وكثفت مليشيا الدعم السريع الارتكازات في شرق وشمال المطار الدولي.